دکتر عفیف بهنسی از ویکی پدیا
عفيف البهنسي الباحث و المؤرخ الذي يختلف عن غيره من الباحثين في صفحات التاريخ، لايؤمن الا بالجمال الانساني و الحضاري عنوانا للتاريخ، في دمشق ولد و فيها عاش و على امتداد ساحة الوطن كانت رحلات عمل و عطاء و متابعة، وساحة التراث العربي تشهد له بأنه ناقد من طراز اخر مختلف، له اراؤه التي يذهب بعيداً في الدفاع عنها و يدهشك هذا التجدد الذي يصبغ آراءه و افكاره، فالرجل الذي عاش باحثاً و منقباً في التاريخ يفاجئك بأنه الاكثر حيوية و مرونة و متابعة لحيوية الفكر، فلا الجمود الذي غلف عقول الكثيرين، ولا اليباس في الطرح، لهما أثر لديه.. بل اكاد اقول: انه يطرح نظرية خاصة به في التاريخ، فالتاريخ ليس الاساطير ولا الكتب، بل هو الانجاز الحضاري.. اخذ من الثقافات العالمية كلها، و من اجل غد افضل يسعى، والابداع هو الطريق الى ذلك .. في حوارنا معه اردنا ان نقف عند محطات في حياته فآثر هو ان نقبس من فكره وارائه, لانه الحصاد الوفير ولان رسالته تحمل عنواناً واحداً الا وهو: العمل والعمل والبحث من اجل الحقيقة.. ثمانية وسبعون عاما رحلة العمر أمد الله بعمره حافله بالعطاء, رحلة متوجة بانجاز 70 كتاباً ونيف وكأن كل عام كان لانجاز كتاب.. في حوارنا مع د.بهنسي نفتح باباً للنقاش حول اراء كثيرة طرحها وهي جديرة بالاحترام والتقدير والمتابعة. > لنبدأ من ملامح الطفولة.. النشأة , التوجه الدراسي ومحطات تود ان تتوقف عندها. >> مع ان دمشق فتحت ابوابها منذ عصور لهجرة كل من احبها وفضلها عن وطنه, فأنا ازعم ان اجدادي قدموا الى دمشق من الحجاز منذ اكثر من الف عام, وتذكر المصادر انهم كانوا من الاشراف بحسب نسبهم. في هذه المدينة ولدت وتابعت دراستي في دار المعلمين وفي جامعة دمشق كلية الحقوق, وعندما مضيت الى باريس لمتابعة دراستي عدت الى هوايتي التي استحكمت بنشاطي منذ طفولتي وهي ممارسة التصوير, فانتسبت الى اكاديمية اندره لوت ومدرسة اللوفر ثم حصلت من جامعة باريس (السوربون) على درجة الدكتوراه وكان موضوعي الاستشراق الفني, ثم حصلت بعدها على شهادة دكتوراه الدولة, ومنذ قيام الوحدة بين مصر وسورية انشئت وزارة الثقافة وكنت واحدا من اوائل العاملين واستلمت ادارة الفنون الجميلة , حتى اسندت لي وظيفة المدير العام للاثار والمتاحف منذ عام 1971 وحتى نهاية خدمتي الوظيفية. > لماذا توجهت الى الاثار و الاهتمام بها , وهل لذلك علاقة بعلم الجمال الذي تعنى به? >> كان اختياري للعمل في مجال الفنون والاثار منسجماً مع دراستي واختصاصي, ومرتبطاً بدراستي في تاريخ الفن والاثار وعلم الجمال وفن العمارة, وكنت سعيداً باختياراتي التي وثقت فيها العلاقة بين افكاري النظرية والتطبيقات العملية التي نفذتها في نطاق مسؤولياتي وهكذا كانت فعالياتنا مع زملائي في نطاق الفن او الاثار,فعاليات علمية منهجية اكدت الطبيعة الاكاديمية لتلك المؤسسات, وقد حصرت نشاطها للبحث العلمي والتوثيق التاريخي. >ماهي اهمية علم الاثار وماهو دوره في اعادة كتابة التاريخ? >> كانت علاقتنا وتعاوننا مع علماء العالم اساساً في خطة العمل التطبيقي, ذلك ان علماء الاثار ندرة في وطننا وفي العالم, وكان علينا ان نستقبل اصحاب الاختصاص من هؤلاء . وكانت فرصة لزملائنا لاكتساب المعرفة والتجربة على ارض الواقع الاثري, كما ان المكتشفات المذهلة التي تمت في مواقعنا الاثرية, دفعت علماء الاثار لتغيير منطلقات ابحاثهم, فالتاريخ القديم كان مجهولاً, فكانوا يعتمدون في دراستهم على التاريخ التوراتي الاسطوري, الذي لم يوجد له اي دليل في اكتشافاتهم , بل قدمت لهم وثائق مكتوبة او مشخصة لتاريخ صحيح تباروا في دعمه واعادة كتابته, وانا سعيد ان المكتشفات المكثفة في حوض الفرات, والتي اسهم فيها مئات العلماء, افادت في التعرف على تاريخنا القديم الذي سبق حضارات العالم, معرفة منزهة عن الزيف والتحريف. > هل تعتقد ان علم الاثار لدينا متأخر ونبدو وكأننا نأتي بالاخر ليبحث في كنوزنا..? > > انا لااعتقد ان البحث الاثري متأخر, بل هو اكثر تطورا ونشاطا من غيره في البلاد المجاورة, ولقد كان سد الفرات وماسبب من غمر لاراض واسعة غنية بالمواقع الاثرية, الفضل في تكثيف التنقيب والبحث التاريخي قبل تشكل البحيرة الضخمة التي سببها السد. وكان من نتائج هذه الكثافة في البحث و التنقيب, الحصول على لقى اثرية وتحف دفعتنا الى زيادة عدد المتاحف في جميع المحافظات, بعد ان كان عددها محدوداً جدا وتصدرت هذه المكتشفات خزائن العرض, ميسرة للمؤرخين والباحثين. ومن اهم هذه المكتشفات الرقم الطينية, وهي الواح من الطين منقوش عليها كتابات تساعد الباحث في قراءة تاريخنا وعلاقاتنا الدولية, والتعرف على العقائد والاداب القديمة. وفي ايبلا تم العثور على مايقرب من خمسة عشر رقيماً, اثارت قراءتها المحافل الاكاديمية اذ احدثت كما يقال, ثورة في علم الاثار وحقائق التاريخ, ولقد شكلنا لجنة دولية لقراءتها قراءة موضوعية ونشر محتواها. > هذا مايدعوني للحديث عن كتابك (وثائق ايبلا) هل حقق الاهداف المرجوة وكيف كانت معركة التصدي للصهاينة الذين حاولوا استغلال مكتشفات ايبلا? >>لقد عرضنا في كتابنا وثائق ايبلا الذي نشر بالعربية والانكليزية ملابسات هذا الاكتشاف واهميته, وتضمن هذا الكتاب بيان خطورة الوثائق المكتشفة على الاخبار التوراتية وردها على المحاولات الطائشة الصهيونية لطمس نتائج الابحاث المرافقة لها , وبالمقابل الكشف عن افتراءات التأويل المغرضة والمحرفة لمضمون هذه الوثائق, ولم نأبه لجميع التهديدات التي برزت في الصحافة وتبناها كتابان ضخمان, ظهرا عن بعض الصحفيين لمهاجمة الحقائق التاريخية التي استنتجت بعد قراءة هذه الوثائق, وكان انتصار العلم على الهجمات المتصهينة حاسماً, بعد ان استقرت دراسات العلماء على تأويل علمي لهذه الوثائق. > دعوتك لتعريب الفن وتأصيله.. اين اصبحت .. >> لقد كانت دراستي تأسيساً لفهم علمي لمظاهر الحضارة التي نرى اثارها على ارضنا العربية, ولقد دعمت المكتشفات الاثرية قناعتي بأصالة هذه الحضارة في مجال الفن والعمارة كما في مجال الثقافة والعلم, وكانت دعوتي لاصالة الفن والعمارة مبنية على دراستي لهذه الاثار واهتمامي في معالجة حمايتها, وتقريب المسافة بينها وبين المتلقي, سواء اكان جمهوراً او كان اختصاصياً او مبدعاً, فالطريق الى تحقيق الاصالة يمر من خلال معالم التراث الذي شاركت في بنائه اجيالنا المتعاقبة. > تعتمد نظريتك الثقافية على الانتماء لهوية عربية تجسدت في حضارة امتدت عبر السنين ولكن هناك من يتحدث عن هوية اخرى.. >> من الخطأ الاعتقاد ان الهوية العربية ولدت في القرن السابع مع ظهور الاسلام. فالاسلام عقيدة سامية يشكل ذروة في تاريخنا الحضاري, و لكن الحضارة القديمة من الرافدين الى مصر كانت حضارة العرب الذين ولدوا على هذه الارض, وكانت لغاتهم لهجات متفرقة هي اساس اللغة العربية التي نتكلم بها اليوم, وقد تطورت عبر العصور, وحفظ القرآن الكريم بلاغتها ووحدتها. ليست الكتابة القديمة والابجدية في اوغاريت وجبيل وحدها هي اصل الاحرف الابجدية والكتابة العربية, بل ان اللغة ذاتها, ونظرة فاحصة الى المعاجم المقارنة للهجات القديمة الاكادية والعمورية والكنعانية, تبين ان هذه اللغة مازالت دعامة لوحدة العرب عبر التاريخ, ووحدة حضارتهم منذ بداية التاريخ في الالف الرابع قبل الميلاد, فهذه اللغات لهجات للغة عربية ولدت مع بداية التاريخ, وعلى الادارة الاثرية بوصفها مركز ابحاث للتراث المرئي والمكتوب, ان تعمل بمسؤولية عالية لتوثيق الاواصر القومية على هذه الارض, عبر التاريخ. ولاداعي للتأكيد على ان العصور الاسلامية كانت عصور حضارة ونحن ننتمي لهذه العصور, والنهضة الثقافية تعتمد في الواقع على الفكر الاسلامي, والذين يجعلون الاسلام محدوداً بالتعاليم الفقهية فقط دون الانفتاح على قواعد الفكر الاسلامي خاطئون ويجرون الاسلام الى السياسة والصراع مع العالم, والدعوة الى تقييم الاسلام كدين حضاري يعتمد على الفكر والعقيدة بإله نؤمن به من خلال خفايا واسرار الكون والوجود, هي دعوة صادقة ويكفي ان تكون جميع القوانين الوضعية قد استوعبت خيرمافي الافكار والسنن الفقهية كي ينصرف دعاة الاسلام للحديث عن الفكر الاسلام الذي اورث حضارة نعتز بها وندعو الى التعمق بدراستها ونشرها, ما يساعدنا في تقوية احترام العالم لنا. > في كتابك (خطاب الاصالة) اوضحت الاسس التي تدعم الشخصية الثقافية وتؤهلها لدور فعال في عملية الحوار مع الاخر? >> في هذا الكتاب كما في غيره انتقل من الخاص وهو النشاط الفني, الى العام وهو البناء الثقافي القومي, فالفن بوصفه نشاطاً ابداعيا ً يؤسس لحضارة المستقبل والتراث الفني والمعماري يمثل حضارة الماضي, ومهمة العمل الابداعي ان يقوي اواصر العمل الثقافي بشموليته في الماضي والحاضر, وهذا مانعنيه بالاصالة, فليس من مستقبل من دون ماض لان الزمن واحد والعطاء الانساني مستمر مع هذا الزمن الواحد, هي سلسلة من العطاءات تتراكم في محطة الماضي لكي تسمى تراثاً, وتمتد مع الابداع الى المستقبل حاملة بذور تلك العطاءات والانسان المنتمي للتاريخ والحضارة, حاضر في جميع انات الزمن, الماضي والحاضرو المستقبل والماضي ليس زمناً ميتاً بل هو حي وخالد ماثل في هذا التراث. لقد حاول جماعة من المفكرين والفنانين في الغرب اطلقوا على انفسهم اسم المستقبليين او الحداثيين التخلي عن الماضي وقطع كل صلة تربطهم بالتراث, فوقعوا في عدمية تائهة حتى اعلن الفلاسفة سقوط الحضارة العربية بسبب هذه العدمية, ومانراه اليوم من مفاهيم (بعد الحداثة) يبشر بعودة الى الجذور من خلال التاريخ والتراث. ونحن في شرقنا العربي لم نصل الى العدمية التي وصل اليها الابداع في الغرب. ولكننا لم نعط هذا الابداع بعده التاريخي الذي يحقق اصالته. على اننا لا نسعى وراء اصالة فنية تغلق الابواب على الحوار الثقافي مع العالم, بل على العكس, ان الجاهزية الثقافية الاصيلة اصبحت ضرورية لانقاذ الابداع من تشرده ولدعم التيار الجديد الذي ينادي بالعالمية ,لرفد هذه العالمية بعطاء خاص فالعالمية الثقافية تقوم على جماع الثقافات الاصيلة في العالم. > ولكن كيف نمارس الاختيار بين هاتين الطريقتين? >> يتحكم في اختيار احدى الطريقتين للبحث الفكري الموضوعي معرفة الى من نتوجه بهذا البحث? هل نتوجه به الى الاخر لتفنيد معطياته ونقضها او تصويبها ام لفهمها وتحضير الحوار معها ففي الحالة الاولى نكون نقاداً سلبيين نسعى الى هدم الفكر الاخر وفي الحالة الثانية نكون باحثين مقررين, ولكن بأسلوب شد الحبل. ام نتوجه الى الانا حيث نجهل من نحن حضاريا ونحاول معرفة الذات من الداخل دون ان يعترينا الخوف من تهمة الشوفينية, فنلجأ الى طريقة التقرير لتعزيز الثقة والمسؤولية ونتغاضى عن الطريقة النقدية حيث نصارع مرآة محدبة ليس من سند يدعمها ويخفف من غلواء عدواننا الرخيص على الذات , هكذا يتهافت النقاد منا على تشظية الصورة الذاتية وهم بمنأى عن نقد النقد, لان من هم في دائرة الانا, مصابون بالمازوشية ( تعذيب الذات) ويتلذذون بنقد الذات وتهشيمها. >ماهو موقفكم من التاريخ العام وقد توجهتم في دراستكم ومؤلفاتكم الى الحضارة بوصفها التاريخ الحقيقي? >> هل نحاكم التاريخ هل نحن في موقع اقتراح بديل صحيح عن التاريخ وماهو هذا البديل, هل هو تاريخ جديد ام اسطورة جديدة وكيف نبحث في مابعد التاريخ , كيف نحكم على التاريخ وكل حقبة فيه تزخر بعدد لايحصى من الاسباب والنتائج , بعدد لايحصى من الافتراضات والاختيارات والمواقف, فكيف نختار سبباً نقرر معه نتيجة, اوفرضاً نحقق فيه نظرية. واذا كان الامر كذلك فإنه يجدر بنا اولاً ان نفرز من التاريخ العام تاريخاً يخصنا نحن, عندها ستكون الاسباب والفرضيات اكثر وضوحاً ويكون التاريخ اكثر صدقاً, ليس تاريخنا فقط بل تاريخ الاخرين, لاننا عندما نعرف الفرق بين تاريخنا وتاريخ الاخرين نكون اكثر قرباً من التاريخ العام واكثر فهما وتمييزاً للهويات التاريخية للشعوب والامم. ولكن مهلاً ألا ترى ان جميع الاسباب المختلفة التي كونت حدثاً في التاريخ مازالت مضللة مهما كان حدسنا التاريخي عالياً, وان لاسبيل الى فهم حقيقة التاريخ ودور الانسان الحقيقي في تكوينه (الانسان السياسي والاقتصادي والعالم والفنان والمعمار والعامل) الا عن طريق الاثر والوثيقة, لذلك فان الطريق الى التاريخ ليس الادب و الشعر والاسطورة كما في إلياذة هوميروس وتوراة احبار اليهود, بل هو في الاركيولوجيا اي الحفر في ارض التاريخ لكشف حقيقة التاريخ من خلال اثر الانسان, والبحث من خلال اجناس الابداع الاخرى عن المناخ الفكري والاخلاقي والمعرفي الذي يحدد ملامح العصر ويساعد في توضيح الاسباب والمواقف. وبصورة عامة فإن مصادر التاريخ ليست الاحداث التي كثيراً ماترد في كتب التاريخ مقلوبة, بل هي الحضارة التي لايجوز فيها التأويل والتحريف, لانها الشاهد الاكثر بلاغة عن الهوية القومية او مايسميه احد الفلاسفة (الذاكرة المشتركة)و التي تجعل التراث ماثلاً في الحاضر كما هو ماثل في الماضي. لقد كان التاريخ يعتمد على الاسطورة واستمرت اوربا الف عام تكرر الاساطير وكأنها احداث لاشك بها,وكذلك الكنيسة منذ عهد لوثر على الاقل, اصبحت لاتعرف العهد القديم الا من خلال التوراة. ولكن في عصر التنوير كان لابد من تدخل العقل للكشف عن الخيال التاريخي وعزله في زنزانة الخرافة, واصبح الماضي قضية علمية منذ ان ظهر علم الاثار وتحدث المؤرخون عن تاريخ الحضارة ولم يعد للكهان والفقهاء مكان في مجال الحديث التاريخ, ولابد من القول : ان التحرر من التاريخ الاسطوري افسح في المجال للبحث عن التاريخ الحقيقي لمعرفة الطريق الى المستقبل فالتاريخ الحقيقي الممتد من نقطة البداية لاينتهي في لحظة الحاضر, فالحاضر ليس خاتمة التاريخ بل انما هو محطة في زمن التاريخ الذي لانهاية له. ويتحقق البحث عن التاريخ الحقيقي عن طريق الذاكرة المشتركة اي الهوية القومية, والا فإن نتائج هذا البحث تصبح نسبية , وهي نتائج خطيرة لان الهدف من البحث عن التاريخ الحقيقي ليس العظمة بل معرفة من نحن, وماهي خصائصنا القومية والحضارية, ليس في نطاق التمايز العنصري بل في نطاق توضيح خصائص الاخرين ايضاً. فالعودة الى التراث تخضع لمنطق التاريخ وليس لمنطق التقاليد والعقائد. > هناك مفكرون تحدثوا عن فلسفة التاريخ ووصل بعضهم الى حدود الاعلان عن نهاية التاريخ, فما هو موقفكم من مفهوم التاريخ عند الفلاسفة المعاصرين? >> لعل هيغل وصل الى نهاية التاريخ في فضاء الدولة الليبرالية وعندما استمد ماركس جدليته مقلوبة, وصل ايضا الى نهاية التاريخ في المجتمع الشيوعي, ولان هذا المجتمع زال, فإن فوكوياما يعود الى محصلة هيغل كي يدعي نهاية التاريخ, ولكنه يستخدم العلوم المادية لتفسير التاريخ, هذه العلوم التي تفرض على العالم تطوراً شاملاً يتجه نحو الرأسمالية, ولكن مع نوع من الاعتزاز بالهوية لايكفي لسعادة البشر ولاستمرار حضور الانسان ككائن حضاري, اي ان نهاية التاريخ عنده هي نهاية الانسان لخضوعه الى القوانين المادية الواحدية التي تحول دون الجدل او الحوار الصراع. وبهذا المآل فإن فوكوياما يختلف مع نظرية هنتنغتون في صراع الحضارات, الصراع بين الغرب الذي كان طرفاً راسخاً وبين الاخرين الطارئين على الكون حاملين عنصرية الدين وعنده يسبر التاريخ باتجاه الغرب حيث الحضارة العالمية , ويقدم امثلة على هذا الاتجاه مطبقة في دولة كثيرة تدعي السير في طريق الحداثة, وابرز هذه الامثلة انقلاب اتاتورك في تركيا الذي يبدأ علمانياً لكي ينتهي غربياً محضاً. ولايخفى ان هذا الرأي يلخص الاتجاه الامبريالي الذي يجعل من الاخر طرفاً استعمالياً, ولكن بعد ان يحسن اعداده لهذه الاستعمالية, برفع مستوى اقتصاده لتقوية مقدرته الاستهلاكية في مناخ تفكيك بنيته القومية والسياسية , هنا يرى هنتنغتون انها ستكون السبب في تحريض الاخر على الارتداد لحماية ذاتيته والاستعداد للصراع مهماكانت وسائله ضعيفة لديه, والمخطط الامبريالي اذ يرفع شعار الحداثة والعولمة يحاول كبت دوافع هذا الصراع بضم النخبة المثقفة او الحاكمة الى شعاراته التي ارادها ايديولوجياً تحل محل الدين والقومية, وهذا ماأطلق عليه اسم النظام العالمي الجديد. > تبدو أفكارك المطروحة نظرياً شديدة الصلة بالقصائد التي نشرت في دواوينك الأخيرة والسؤال ايهما يسبق الآخر, الشعر والإلهام أم النص الفكري والبحثي? >> في حالات أحلام اليقظة تتجلى للشاعر صور وأحاسيس قد لاتبدو في اليقظة أو في الأحلام, ولكن إعادة قراءة مشاعر أحلام اليقظة التي تتجلى في إبداع عمل تشكيلي أو نص شعري, تبدو قائمة على تفكيك العلاقة بين الشاعر والنص وإحالتها الى المتلقي الذي كان نفسه الشاعر, بمعنى آخر نحن امام محاولة استقراء نص شعري من الشاعر نفسه بعد ان تقمص دور المتلقي والناقد. > كيف يقضي د.بهنسي وقته وماذا في الجعبة..? >> اعترف انني املك زمام وقتي جيداً, وذلك بتعبئته بنشاط أحبه وهو النشاط الفني النظري والإبداعي, فالبحث هم علمي يحاصرني, ولكن ممارسة التصوير أو النحت أو الشعر فإنها متعة تريحني من عبء البحث, هي رياضة أستريح خلالها مستغرقاً بمتعة الإبداع. فإذا كان البحث الذي أنتجه سيكون من حق القارىء, فإن ما أبدعه هواية هو من حقي أولاً ولست حريصاً أن أقدمه في معرض أو ديوان مطبوع. > كرّمت في العديد من دول العالم كيف ترى هذا التكريم? >> لاأعتقد أن إنساناً واحداً يرفض التكريم ولكنه يرفض استجداء هذا التكريم فلقد تمتعت بتكريم واسع أعتز به, وحصلت على جوائز ومكانات, وتدخل الحاسدون في منعي الحصول على بعضها رغم قرارات اللجان. إن أهم تكريم أسعى إليه هو اتساع نطاق قراءة ما أكتبه وأبحث فيه. إنني أشعر بمسؤوليتي إزاء اولئك الذين يؤمنون بالبحث والقراءة والنقد. وأنا لاأملك الحق في الكف عن الكتابة, وسأتابع إغناء مشروعي الفكري حتى نهاية العمر, وأملي ان يتابع من يأتي بعدي إكمال رسالتي ومشروعي. > لو قيّض لك أن تختار طريقك ثانية, هل تعود السيرة ذاتها ? > نعم سأختار الطريق ذاته دونما انحراف, لقد تجنبت المناصب السياسية وكنت على حق, ورفضت مغريات العروض في المنظمات خارج وطني وكنت على حق, واحتفظت بصفتي العلمية الاختصاصية فحققت سعادتي وأرضيت مطامحي, ورعيت أولادي حتى حققوا مواهبهم وطموحهم وحصلوا على أعلى الشهادات, وكانت زوجتي ميسون الفنانة التشكيلية, خير رفيق لي في مسيرة عمري, وفي دعم أواصر أسرتي, لقد كان طريق حياتي مستقيماً سهلاً ممتعاً, لن أتنكر له أبداً.
-
-
-
-
-
من هو عفيف البهنسي من مواليد دمشق 1928 دكتوراه الدولة من جامعة باريس 1964- - أول مدير للفنون الجميلة 1962-1971 في سورية - المدير العام للآثار والمتاحف 1971-1989 في سورية -مؤسس وأول نقيب للفنون الجميلة - عضو مؤسس في اتحاد الكتاب العرب. - أستاذ تاريخ الفن والعمارة في جامعة دمشق منذ عام .1959 - مؤسس عدد من المتاحف في سورية -مؤسس كلية الفنون الجميلة ومراكز الفنون الشكيلية في سورية. - أول رئيس لمجلس إدارة مراكز أبحاث التاريخ والفنون- استانبول-ارسيكا 1980-.1996 - يحمل 13 وساماً رفيعاً من الدول العالمية بدرجة قائد. - الجائزة الأولى في الفن الإسلامي- منظمة العواصم والمدن الاسلامية - يحمل عشرات براءات التقدير
-
-
-
-
-
مؤلفاته قدّم د. بهنسي للمكتبة العربية أكثر من (70) كتاباً نالت شهرة عربية وعالمية وقد ترجم الكثير من مؤلفاته إلى لغات أجنبية كما أنه شارك في موسوعات عالمية, ووضع كتباً بلغات أجنبية ومن قائمة مؤلفاته نذكر: 1- الفنون التشكيلية في سورية 2- الفن عبر التاريخ 3- الفن الحديث في سورية 4- تاريخ الفن في العالم 5- الفن الاسلامي 6- معجم مصطلحات الفنون 7- الفن والاستشراق 8- وثائق ايبلا 9- جمالية الفن العربي 10- رواد الفن في البلاد العربية 11- فلسفة الفن عند أبي حيان التوحيدي 12- من الحداثة إلى مابعد الحداثة في الفن 13- الفن العربي بين الهوية والتبعية 14- سورية التاريخ والحضارة 15- العمران الثقافي. 16- معجم الخط والخطاطين 17- علم الجمال 18- الثقافة بين العالمية وكعولمة 19- موسوعة التراث المعماري 20- خطاب الأصالة في الفن والعمارة.